تتكون ولاية ورقلة أساسا من ثلاث (03) مناطق رئيسية وادي مئة، وادي ريغ و حاسي مسعود. عرفت هذه المناطق مراحل تاريخية مختلفة.
منطقة ورقلة وضواحيها (واد مئة)

عرفت هذه المنطقة حضارة تاريخية عريقة ، تمركزت في ملالة وسيدي خويلد ، حيث عثر الفرنسيون سنة 1878 م على مقالع للحجارة المنحوتة ورؤوس السهام ، بيض النعام ، بقـايا أواني فخـاريـة. وإن الدارسـة التي قـام بها الدكتـور »تريكول« وفريقـه التي نشرت في جريـدة « Lybica » تؤكـد ذلك، كما أن النقـود المعدنيـة الرومانية التي عثر عليها توحي بالتبـادلات التي كـانت ت
كـانت التجـارة السائـدة آنـذاك إضافـة إلى تجارة العبيـد ، تجارة الذهب والعـاج الذين جعـلـوا من ورقـلـة نقطـة وصـول القوافــل القـادمة من السـودان ونقطـة إنـطلاق لجـلب الثمـار والحبـوب والـنسيـج.
يصفها » الإدريسي « بأن هذه المدينة سكنتها عائلات ثرية وتجار مفاوضون جعلوا من التجارة أداة لقطع المسافات والتوغل داخل إفريقيا السوداء ( غانا ، وأنغرا ) وهي الأماكن التي يجلب منها الذهب ويضرب في مدينة ورقلة.
إضافة إلى هذا التطور الاقتصادي هناك نمو ثقافي أدى إلى ظهور علماء في الدين ، رحالة ، مؤرخين ومن بينهم : أبي بكر الورجلاني ويوسف بن إبراهيم بن مياد السدراتي الورجلاني. هذه الحقبة تميزت بوضع نظام إجتماعي يحكم حياة المجتمع الإباضي (حلقة العزابة) ، لكن هذا لم يدم طويلا نظرا لتكالب الحاسدين الذين يريدون الإستحواذ على طريق الذهب. في سنة 1037 إستولى » المعز ابن الزيري « أمير القيروان على مدينة ورقلة وبعد ذلك بسنوات دخـلهــا » المنصور ابن السلطان الحمادي الناصر «الذي حـاصر وادي مائة فكان التخـريب والتهديم والتقتيل والإعتقالات في كل مكان ،سنة 1075 إجتمع الناجون من القتل والاعتقال لإعادة بناء مدينة ورقلة فتم ذلك، وهي مازالت شاهدة إلى يومنا هذا.
إذا كانت ورقلة قد أعيد بناءها ، فإن مدنا كسدراتة، ترمونت، وتامزوغت قد هوجرت وتم تخريبها نهــائيـا من طرف» يحي بن غانية الميروقي « الذي حــاصر البلاد سنة 1274 ولم يبق من سـدراتـة سوى الأطلال التي تبدو وسط الكثبان الرملية التي تريد أن تذكرنا بالإزدهار والرقي الذي عرفته هذه المنطقة الصحراوية هذه الحقبة من التاريخ تذكرنا أيضا بتمركز قبائل العرب الهلاليين في المنطقة.
إن الموقع الاستراتيجي لمدينة ورقلة ومهما يكن حال أسيادها الجدد فإنهم ظلوا مهتمين دائما بحرمات القوافل والتجارة وهكذا فإن مدينة ورقلة ظلت مزدهرة . أشار »ابن خلدون« إلى أنه في نهاية القرن الرابع عشركانت ورقلة بوابة الصحراء فهي نقطة عبور بالنسبة للمسافرين المصحوبين بالسلع القادمة من الزاب باتجاه السودان .
إن سكان المنطقة في تلك الفترة كانوا من بني ورقلة أو من بني أفران أو من بني مغراوة أما العائلة الحاكمة كانت من بني غابول من عشيرة بني وقين ، وبعدها جاءت عائلة بني » أعلاهم« وهي عائلة أجنبية أتت من المغرب سادت الحكم لمدة قرن من الزمن عرفت فيه البلاد فترة من الانحطاط.
إن المتتبع لتسلسل الأحداث لبني جلاب سلاطين تقرت يحدد سنة1535 تاريخ أخذ الأتراك بزمام الأمور لواحات الجنوب القسنطيني، ولتثبيت هذه السيطرة شن الباشا » صالح رايس« حملة على تقرت وورقلة سنة 1552 .
لقد مر الغزو الفرنسي على عدة مراحل : ففي سنة 1849 عين سلطان انقوسة خليفة على ورقلة وخضع للسيادة الفرنسية لكن بعد سنتين من ذلك قام عرش سعيد عتبة الذين يكونون غالبية جيش انقوسة بثورة قادها محمد بن عبد الله ضد المستعمر.
في 27 جانفي 1854 توغل جيش فرنسا بقيادة الكولونيل ديربو وسط مدينة ورقلة للقبض على الشريف محمد بن عبدالله.
من سنة 1853 الى سنة 1864 كانت منطقة ورقلة تحت حكم أولاد سيدي الشيخ وفي سنة 1863 ثار سي سليمان بن حمزة مدعم من عمه وكل قبائل ورقلة ضد الفرنسيين.
سنة 1869 دخل محمد بن التومي بن إبراهيم المسمى » بوشوشة« وجمع مسانديه وعين سلطان عليهم، لكن الجيش الذي قاده الجنرال لكروافوبوا » Lacroix vaubois « أجبروه على مغادرة المدينة في شهر جانفي1872 وأرغم السكان على دفع ضريبة حرب انتقاما منهم أما منازل بني سيسين فقد هدمت كليا .
ونظرا لحالة الأمن الذي كان يعيشها في القصبة الآغا الجديد بن إدريس المعين من طرف الفرنسيين استقر في قارة بامنديل التي تسمى حاليا " قصر بن إدريس " التي مازالت أطلالها شاهدة إلى يومنا هذا .
في 27 فيفري 1962 خرج سكان مدينة ورقلة في مظاهرات عارمة ترفض فصل الصحراء عن الشمال وفي هذا التاريخ كانت تجري مفاوضات ايفيان بين الحكومة المؤقتة والحكومة الفرنسية حول قضية الصحراء ، خلال هذه المظاهرات أستشهد الشطي الوكال بمدينة ورقلة عند تدخل القوات الفرنسية.

منطقة تقرت (وادي ريغ)

تعتبر منطقة تقرت عاصمة وادي ريغ التي لعبت دورا هاما فبي المنطقة حيث أطلق عليها المؤرخون بصحراء قسنطينة. لقد أشار الأستاذ » بالوط « في دروسه على » ما قبل تاريخ الصحراء« إلى أنه من الممكن حسب حجر الصوان المنحوت المجمع في وادي ريغ بأن هذه المنطقة سكنها القفصيون بين 9000 و 3000 سنة قبل الميلاد.
أما تسمية وادي ريغ فأصلها يرجع – حسب المؤرخين- إلى قبيلة ريغة وهي فرع من قبيلة كبيرة من بني زناتة ، أقامت بالمنطقة في القرن الخامس عشر.
في عهد الرومان كانت المنطقة مسرحا للأحداث حيث كان يلتجئ إليها الفارين من الرومان بسبب الفوضى والفزع وعدم الإستقرار. لم يحتل الرومان وادي ريغ بل إكتفوا بشن حملات في شكل دوريات متقطعة من طرف لفيفهم المرابط في بلاد المزاب المجاورة. في النصف الثاني من القرن السابع الميلادي بعث القائد عقبة بن نافع الفهري بأحد أصحابه حسان بن النعمان لتغيير الحكم وقيادة البلاد الواقعة بين بسكرة وورقلة.
حسب العارفين بتاريخ البلاد بان الملازم حسان لقب بالحشاني وإليه أنتسب رجال الحشان وبذلك أصبحت تنظم في كل سنة في بداية الخريف حضرة » رجال الحشان « بهذا الحدث.
في القرن العاشر والحادي عشر خضعت تقرت (وادي ريغ) لنفوذ الإباضين الذين إنحدروا من الشمال وألتجؤا إلى ورقلة وسدراتة (وادي مئة).
خلال الهجمة التي شنها الهلاليون على قصور وادي ريغ ، وقعت المنطقة تحت سيطرة سلاطنة بني حماد ( الحضنة ). إثر ذلك صار لتقرت محافظيها الخاصين ( بني عبيد الله ) الذين كانوا من ريغة المحليين وكانوا يعتنقون المذهب الإباضي.
أسند ابن خلدون خراب المنطقة لابن غنية الذي قام بهجومات تخريبية في وادي ريغ مع الموحدين وبذلك خضعت البلاد إلى الموحدين ، ثم الحفصيين وأسندت إلى » ابن المزني« الذي تولى حكم بسكرة باسم هذه العائلة.
إنتشر المذهب المالكي في المنطقة عن طريق الحجاج القادمين من المغرب متجهين إلى البقاع المقدسة بواسطة القوافل ، ضمن هذه القوافل وصل إلى تقرت السلطان » محمد بن يحي الإدريسي « الذي حكم منطقة وادي ريغ مدة 40 سنة وكان من أهم ناشري المذهب المالكي في المنطقة.
في سنة 1445 تربع على عرش منطقة وادي ريغ السلطان » الحاج سليمان بن رجب بن جلاب « المريني مؤسس حكم بني جلاب الذي دام مدة 4 قرون.
في سنة 1528 تأسس بايلك قسنطينة فنصب بايات منتدبين في الجنوب هما شيخ عرب دواودة والسلطان الجلابي في تقرت. في سنة 1552 قام الباشا » صالح رايس « بحملة عسكرية على مدينة تقرت بسبب تمرد أهالي تقرت والمدن المجاورة من ورقلة على القيادة المركزية ورفضهم لدفع الجباية والغرامة وتحديهم بإعلان إنفصالهم عن حكم الأتراك وإستقلالهم عن البايلك ، فتصدى لهم الباشا وحاصر مدينة تقرت بـ 4000 جندي منهم 3000 راجلين و1000 راكب واستسلمت بعد 3 أيام.
في سنة 1788 تحاصر مدينة وادي ريغ من طرف الباي صالح الذي تمكن مع جنوده دخول وإقتحام المدينة التي ثقبت أسوارها بالمدفعية وبذلك خلع الشيخ عمر ونصب مكانه الشيـخ أحمد وهناك أخذ الباي صالح رستم التولية المتعاقد عليها في الاتفاقية ، بعدها رجع إلى قسنطينة وقد أخضع تقرت وضواحيها لبايلك الشرق.
في سنة 1844 إحتل الفرنسيون بقيادة » الدوق دومال « مدينة بسكرة وفرضوا على السلطان عبد الرحمان بن جلاب ضريبة سنوية مقدرة بـ 20000 فرنك مقابل إعترافهم بسيادته على وادي ريغ وسوف.
في 25 جانفي 1852 هاجم سلمان الجلابي وأتباعه قصر تقرت وقضوا على عبد الرحمان الموالي للفرنسيين واستولى على العرش وانخرط في حزب المناضل محمد بن عبد الله وتنكر لكل إتفاق مع الفرنسيين.
في 11 نوفمبر 1854 إقتحمت القوات الفرنسية بقيادة الرائد » مارمير Marmier « تقرت وبعد مقاومة عنيفة إلى غاية 27 نوفمبر إحتمى بأسوار المدينة ، وبعد محاصرته 10 أيام إضطر للهروب إلى وادي سوف ثم إلى تونس وعوض بابن عمه عبد القادر الذي لم يتجاوز عمره 20 سنة وجعلوه تحت وصاية أحمد بن الحاج بن قانة.
بتاريخ 5 ديسمبر 1854 إستولى الجنرال » ديفوDEVAUX « على عاصمة بني جلاب وقد إنتهز الفرنسيون إنسحاب محمد بن عبد الله وسلمان إلى تونس ليواصلوا زحفهم نحو الجنوب وكسر شوكة الأهالي بإستعمال أساليب القمع لإرهابهم وإخضاعهم نهائيا وقتل روح الثورة فيهم.
بتاريخ 13 ماي 1871 إنتهز محمد بن التومي بن إبراهيم المعروف » بوشوشة « فرصة غياب الآغا علي باي الموجود بعساكره بعين الناقة ، واستولى على مدينة تقرت بعد القضاء على الثكنة التي كانت تحت قيادة الملازم » موسيلي « Mousselli ونصب ناصر بن شهرة كخليفة لمدة (07) أشهر.
في 27 ديسمبر 1871 جهزت القوات الفرنسية جيشا قويا بقيادة الجنرال» دولاكروا DELACROIX « وأعاد الإستيلاء على المدينة. قبل سنة 1954 ظهرت حركات وطنية عديدة إستطاعت أن تتمركز في المنطقة.
في بداية الخمسينات تمكنت القوات الفرنسية من إيقاف قادة ومناظلوا حزب الشعب الجزائري بتقرت وورقلة.
مباشرة بعد إعادة التنظيم الذي تبع مؤتمر الصومام ألحقت منطقتي ورقلة وتقرت بالمنطقة الخامسة للولاية السادسة.
رغم طبيعة المنطقة التي لم تكن سهلة للقيام بالهجومات فقد وقعت فيها عدة معارك ( خاصة معركة قرداش ).
تاريخ 19 نوفمبر 1957 كان دمويا في تقرت حيث عثر على وثائق في ثياب جثمان مسؤول قد سقط في ساحة الشرف ، سمحت للفرنسيين باعتقال 2500 مناضل ومن ضمنهم بوليفة حمـه عمران ابن عم محمد وتوتسي لزهاري وهما مسؤولين سياسيين في المدينة وأعدموا دون أي صيغة حكم.
لكن أهم المشاغل الأساسية لسكان هذه المنطقة هي محاولة السلطات الفرنسية عزل الصحراء عن باقي الجزائر. للتعبير على هذه المشاغل والمحافظة على وحدة التراب الوطني وقعت مظاهرات منها يوم عيد الفطر المبارك بتقرت والثانية يوم 27 فيفري 1962 بورقلة أثناء إنعقاد مؤتمر الصومام.

منطقة حاسي مسعود

تلفظ باللسان المحلي » الحاسي « معناه البئر أما حاسي مسعود فهي مدينة حديثة عصرية تقع بجنوب مقر ولاية ورقلة وتبعد عنها بنحو 80 كم ، بالرغم من كونها تضم أكثر من 1000 بئر للبترول والماء إلا أن سكانها يفضلون أن يطلق على المنطقة اسم » الحاسي« هكذا بالمفرد حاسي مسعود .
تجمع الكثير من الرموز يقال عنها أنها مدينة الذهب الأسود والذهب الأخضر ويقال عنها أيضا أنها تجمع بين صفات القري ، وصفات المدن الكبرى.
بساطة سكانها وقدرتهم على قهر الصحراء وقساوتها ، تقرأ في وجوههم خريطة الجزائر ، فهؤلاء جاءوا من مختلف أرجاء الوطن في البداية كان طلبهم العمل وفي النهاية فضلوا الإستقرار وتعمير القفار.
حاسي مسعود مدينة لاتبدو عليها آثار السنين، بدايتها قصـة واقعيـة قد تبدوا اليوم أقـرب إلى الأسطورة .
في هذه المدينة الجميع يعرف قصة ذلك البدوي الشيخ روابح مسعود بن عمار الذي قدم إلى المنطقة مع عائلته من قرية متليلي الشعانبة باحثا عن المرعى وتلكم عادة البدو الرحل.
حدث ذلك عام 1917 حين حط رحاله في هذا البقاع وطاب له المقام ، أراد الإستقرار فحفر بئر حتى وصل إلى ماء غزير على عمق 20 متر ، وكما جرت العادة عن أهل الجنوب صارت هذه البئر منذ ذلك الحين تحمل إسم صاحبها » حاسي مسعود« بئر تنـزل عنها القوافل إلى موقع بارز ذي شهرة عظيمة في التاريخ الحديث وخلال الفترة القصيرة من عمر المدينة الصغيرة شهـدت مدينة حاسي مسعود ثلاثة أحداث تاريخية هامة ، أولها وهو الذي دفع بهذه المنطقة إلى مقام الصدارة كان في 1956 عندمـا تدفق البترول ولأول مرة من البئر البتروليـة الأولى ، يومها كان لهيب الثورة قد إشتد ومع هذا الحدث العظيم ازدادت مطامع الاستعمار ومساومته لفصل الصحراء عن باقي الوطن فطالت مفاوضات ايفيان.
أما الحدث الثاني فكان في 24 فبراير عام 1971 حينما أعلن من حاسي مسعود عن القرارات الشهيرة لتأميم المحروقات ووضع حد لعمليات استنزاف الثروات الباطنية ، يومها فوجئ العالم أجمع بهذا الموقف الشجاع وخابت آمال الطامعين حين تولت الإطارات الجزائرية زمام الأمور ، وبكفاءة عالية شرعت في تسيير المنشآت البترولية ، وتولت شركة سونطراك مهمة الإشراف ، فازداد النشاط وتوسع الطموح ، ومنذ ذلك الحين اخذ كل شيء يتغير في حاسي مسعود.
خلال بضـع سنـوات شهدت المنطقة نهضة سريعة ومفاجئة حيث وصل عدد آبار النفط إلى 900 بئر تشكل في مجموعها حوض حاسي مسعود ، ومعها ازداد عدد العمال فاصبح لزاما أن يتحول هذا الموقع إلى مقر إقليمي بلدي .
الحدث التاريخي الثالث الذي أحدث تحولا في تاريخ المدينة كان في عام 1984 حين تحولت حاسي مسعود إلى إقليم بلدي بموجب التقسيم الإداري للبلاد آنذاك ، فأصبحت مقر بلدية ودائرة يقطنها ما يزيد عن 35000 ساكن وبهذا التقسيم الإداري تحولت الحاسي من منطقة صناعية إلى منطقة حضارية وواصلت رحلتها مع قطار التطور لتعكس صورا حقيقة لمدينة متكاملة محت صور الخيم والقواعد ووضعت بدلها إطارا جديدا للحياة والعمران يضم مختلف المرافق الإجتماعية والثقافية والإقتصادية ، مشاريع أنجزت وأخرى في طور الإنجاز لمواجهـة احتياجات المواطنين المتزايدة في ظرف قصير جدا شهدت إنجاز أحياء سكنية تظم في مجموعها 4500 مسكن عائلي .
إن هذا التطور التنموي السريع والتحول الكلي من منطقة صناعية إلى حضارة عمرانية يتطلب جهودا لمسايرة حجم تزايد عدد السكان وازدياد حاجياتهم ومواكبة كل الطلبات.